{يَتَوَارَى} أي: يختفي، {مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} من الحزن والعار، ثم يتفكر: {أَيُمْسِكُهُ} ذكر الكناية ردا على {ما} {عَلَى هُونٍ} أي: هوان، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي: يخفيه منه، فيئده.وذلك: أن مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات أحياء، خوفا من الفقر عليهم، وطمع غير الأكفاء فيهن، وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها: ألبسها جبة من صوف أو شعر، وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها: تركها حتى إذا صارت سداسية، قال لأمها: زينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرا في الصحراء، فإذا بلغ بها البئر قال لها: انظري إلى هذه البئر، فيدفعها من خلفها في البئر، ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض، فذلك قوله عز وجل: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}.وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يحييها بذلك، فقال الفرزدق يفتخر به:وعمي الذي منع الوائدات *** فأحيا الوئيد فلم توأد{أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون لله البنات ولأنفسهم البنين، نظيره: {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى} [النجم- 22]، وقيل: بئس حكمهم وأد البنات. {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} يعني لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ولأنفسهم البنين {مَثَلُ السَّوْءِ} صفة السوء من الاحتياج إلى الولد، وكراهية الإناث، وقتلهن خوف الفقر، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} الصفة العليا، وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو.وقيل: جميع صفات الجلال والكمال، من العلم، والقدرة، والبقاء، وغيرها من الصفات.قال ابن عباس: {مثل السوء}: النار، و{المثل الأعلى}: شهادة أن لا إله إلا الله.{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.