سورة النحل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{يَتَوَارَى} أي: يختفي، {مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} من الحزن والعار، ثم يتفكر: {أَيُمْسِكُهُ} ذكر الكناية ردا على {ما} {عَلَى هُونٍ} أي: هوان، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أي: يخفيه منه، فيئده.
وذلك: أن مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون البنات أحياء، خوفا من الفقر عليهم، وطمع غير الأكفاء فيهن، وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها: ألبسها جبة من صوف أو شعر، وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها: تركها حتى إذا صارت سداسية، قال لأمها: زينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرا في الصحراء، فإذا بلغ بها البئر قال لها: انظري إلى هذه البئر، فيدفعها من خلفها في البئر، ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض، فذلك قوله عز وجل: {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ}.
وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت إبلا يحييها بذلك، فقال الفرزدق يفتخر به:
وعمي الذي منع الوائدات *** فأحيا الوئيد فلم توأد
{أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون لله البنات ولأنفسهم البنين، نظيره: {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى} [النجم- 22]، وقيل: بئس حكمهم وأد البنات. {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} يعني لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ولأنفسهم البنين {مَثَلُ السَّوْءِ} صفة السوء من الاحتياج إلى الولد، وكراهية الإناث، وقتلهن خوف الفقر، {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} الصفة العليا، وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو.
وقيل: جميع صفات الجلال والكمال، من العلم، والقدرة، والبقاء، وغيرها من الصفات.
قال ابن عباس: {مثل السوء}: النار، و{المثل الأعلى}: شهادة أن لا إله إلا الله.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.


{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ} فيعاجلهم بالعقوبة على كفرهم وعصيانهم، {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا} أي: على الأرض، كناية عن غير مذكور، {مِنْ دَابَّةٍ}.
قال قتادة في الآية: قد فعل الله ذلك في زمن نوح، فأهلك من على الأرض، إلا من كان في سفينة نوح عليه السلام.
روي أن أبا هريرة سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم.
وقال ابن مسعود: إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم.
وقيل: معنى الآية: لو يؤاخذ الله آباء الظالمين بظلمهم انقطع النسل، ولم توجد الأبناء فلم يبق في الأرض أحد.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ} يمهلهم بحلمه إلى أجل، {مُسَمًّى} إلى منتهى آجالهم وانقطاع أعمارهم. {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} قوله عز وجل: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} لأنفسهم يعني البنات، {وَتَصِفُ} أي: تقول، {أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} يعني البنين، محل {إن} نصب بدل عن الكذب.
قال يمان: يعني بـ {الحسنى}: الجنة في المعاد، إن كان محمد صادقا في البعث.
{لا جَرَمَ} حقا. قال ابن عباس: بلى، {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} في الآخرة، {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} قرأ نافع بكسر الراء أي: مسرفون.
وقرأ أبو جعفر بتشديد الراء وكسرها أي: مضيعون أمر الله.
وقرأ الآخرون بفتح الراء وتخفيفها أي: منسيون في النار، قاله ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير: مبعدون.
وقال مقاتل: متروكون.
قال قتادة: معجلون إلى النار.
قال الفراء: مقدَّمون إلى النار، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» أي: متقدمكم.


{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما أرسلنا إلى هذه الأمة، {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} الخبيثة، {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ} ناصرهم، {اليوم} وقرينهم، سماه وليا لهم، لطاعتهم إياه، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} من الدين والأحكام، {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: ما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا وهدى ورحمة، فالهدى والرحمة عطف على قوله: {لتبين}. {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} يعني: المطر: {فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ} بالنبات، {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبوستها، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سمع القلوب لا سمع الآذان. {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً} لعظة، {نُسْقِيكُمْ} بفتح النون هاهنا وفي المؤمنين، قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب والباقون بضمها وهما لغتان. {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} قال الفراء: رد الكناية إلى النعم، والنعم والأنعام واحد.
ولفظ النعم مذكر، قال أبو عبيدة، والأخفش: النعم يذكر ويؤنث، فمن أنث فلمعنى الجمع، ومن ذكر فلحكم اللفظ.
قال الكسائي: رده إلى ما يعني في بطون ما ذكرنا.
وقال المؤرج: الكناية مردودة إلى البعض والجزء، كأنه قال نسقيكم مما في بطونه اللبن، إذ ليس لكلها لبن، واللبن فيه مضمر.
{مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ} وهو ما في الكرش من الثقل، فإذا خرج منه لا يسمى فرثا، {وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} من الدم والفرث ليس عليه لون دم ولا رائحة فرث.
{سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} هنيئا يجري على السهولة في الحلق.
وقيل: إنه لم يغص أحد باللبن قط.
قال ابن عباس: إذا أكلت الدابة العلف واستقر في كرشها وطحنته فكان أسفله فرثا، وأوسطه اللبن، وأعلاه الدم، والكبد مسلطة عليها، تقسمها بتقدير الله تعالى، فيجري الدم في العروق، واللبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10